سورة الذاريات - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الذاريات)


        


{وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20)}
وهو يحتمل وجهين. أحدهما: أن يكون متعلقاً بقوله: {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لصادق * وَإِنَّ الدين لَوَاقِعٌ * وَفِى الأرض ءايات لّلْمُوقِنِينَ} تدلهم على أن الحشر كائن كما قال تعالى: {وَمِنْ ءاياته أَنَّكَ تَرَى الأرض خاشعة} إلى أن قال: {إِنَّ الذي أحياها لمحيي الموتى} [فصلت: 39].
وثانيهما: أن يكون متعلقاً بأفعال المتقين، فإنهم خافوا الله فعظموه فأظهروا الشفقة على عباده، وكان لهم آيات في الأرض، وفي أنفسهم على إصابتهم الحق في ذلك، فإن من يكون له في الأرض الآيات العجيبة يكون له القدرة التامة فيخشى ويتقى، ومن له من أنفس الناس حكم بالغة ونعم سابغة يستحق أن يعبد ويترك الهجوع لعبادته، وإذا قابل العبد العبادة بالنعمة يجدها دون حد الشكر فيستغفر على التقصير، وإذا علم أن الرزق من السماء لا يبخل بماله، فالآيات الثلاثة المتأخرة فيها تقرير ما تقدم، وعلى هذا فقوله تعالى: {فَوَرَبّ السماء والأرض} [الذاريات: 23] يكون عود الكلام بعد اعتراض الكلام الأول أقوى وأظهر، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: كيف خصص الموقنين بكون الآيات لهم مع أن الآيات حاصلة للكل قال تعالى: {وَءايَةٌ لَّهُمُ الأرض الميتة أحييناها} [ياس: 33] نقول قد ذكرنا أن اليمين آخر ما يأتي به المبرهن وذلك لأنه أولاً يأتي بالبرهان، فإن صدق فذلك وإن لم يصدق لابد له من أن ينسبه الخصم إلى إصرار على الباطل لأنه إذا لم يقدر على قدح فيه ولم يصدقه يعترف له بقوة الجدل وينسبه إلى المكابرة فيتعين طريقه في اليمين، فإذا آيات الأرض لم تفدهم لأن اليمين بقوله: {والذريات ذَرْواً} [الذاريات: 1] دلت على سبق إقامة البينات وذكر الآيات ولم يفد فقال فيها: {وَفِى الأرض ءايات لّلْمُوقِنِينَ} وإن لم يحصل للمصر المعاند منها فائدة، وأما في سورة ياس وغيرها من الموانع التي جعل فيها آيات الأرض للعامة لم يحصل فيها اليمين وذكر الآيات قبله فجاز أن يقال إن الأرض آيات لمن ينظر فيها. الجواب الثاني: وهو الأصح أن هنا الآيات بالفعل والاعتبار للمؤمنين أي حصل ذلك لهم وحيث قال لكل معناه إن فيها آيات لهم إن نظروا وتأملوا.
المسألة الثانية: هاهنا قال: {وَفِى الأرض ءايات} وقال هناك: {وَءايَةٌ لَّهُمُ الأرض} [ياس: 33] نقول لما جعل الآية {لّلْمُوقِنِينَ} ذكر بلفظ الجمع لأن الموقن لا يغفل عن الله تعالى في حال ويرى في كل شيء آيات دالة، وأما الغافل فلا يتنبه إلا بأمور كثيرة فيكون الكل له كالآية الواحدة.


{وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)}
إشارة إلى دليل الأنفس، وهو كقوله تعالى: {سَنُرِيهِمْ ءاياتنا فِي الآفاق وَفِى أَنفُسِهِمْ} [فصلت: 53] وإنما اختار من دلائل الآفاق ما في الأرض لظهورها لمن على ظهورها فإن في أطرافها وأكنافها ما لا يمكن عد أصنافها فدليل الأنفس في قوله: {وَفِى أَنفُسِكُمْ} عام ويحتمل أن يكون مع المؤمنين، وإنما أتى بصيغة الخطاب لأنها أظهر لكون علم الإنسان بما في نفسه أتم وقوله تعالى: {وَفِى أَنفُسِكُمْ} يحتمل أن يكون المراد وفيكم، يقال الحجارة في نفسها صلبة ولا يراد بها النفس التي هي منبع الحياة والحس والحركات، ويحتمل أن يكون المراد وفي نفوسكم التي بها حياتكم آيات وقوله: {أَفلاَ تُبْصِرُونَ} بالاستفهام إشارة إلى ظهورها.


{وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22)}
وقوله تعالى: {وَفِى السماء رِزْقُكُمْ} فيه وجوه:
أحدها: في السحاب المطر. ثانيها: {فِى السماء رَزَقَكُمُ} مكتوب. ثالثها: تقدير الأرزاق كلها من السماء ولولاه لما حصل في الأرض حبة قوت، وفي الآيات الثلاث ترتيب حسن وذلك لأن الإنسان له أمور يحتاج إليها لابد من سبقها حتى يوجد هو في نفسه وأمور تقارنه في الوجود وأمور تلحقه وتوجد بعده ليبقى بها، فالأرض هي المكان وإليه يحتاج الإنسان ولا بد من سبقها فقال: {وَفِى الأرض ءايات} ثم في نفس الإنسان أمور من الأجسام والأعراض فقال: {وَفِى أَنفُسِكُمْ} ثم بقاؤه بالرزق فقال: {وَفِى السماء رِزْقُكُمْ} ولولا السماء لما كان للناس البقاء.
وقوله تعالى: {وَمَا تُوعَدُونَ} فيه وجوه:
أحدها: الجنة الموعود بها لأنها في السماء. ثانيها: هو من الإيعاد لأن البناء للمفعول من أوعد يوعد أي وما توعدون إما من الجنة والنار في قوله تعالى: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النار} [الذاريات: 13] وقوله: {إِنَّ المتقين فِي جنات} [الذاريات: 15] فيكون إيعاداً عاماً، وأما من العذاب وحينئذ يكون الخطاب مع الكفار فيكون كأنه تعالى قال: وفي الأرض آيات للموقنين كافية، وأما أنتم أيها الكافرون ففي أنفسكم آيات هي أظهر الآيات وتكفرون لها لحطام الدنيا وحب الرياسة، وفي السماء الأرزاق، فلو نظرتم وتأملتم حق التأمل، لما تركتم الحق لأجل الرزق، فإنه واصل بكل طريق ولاجتنبتم الباطل اتقاء لما توعدون من العذاب النازل.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9